الاستيراد المصغر • المقاول الذاتي

الاستيراد المصغر في الجزائر: الدليل الشامل للإطار القانوني الجديد للمقاول الذاتي

خطت الجزائر مؤخراً خطوة حاسمة في تنظيم اقتصادها من خلال إرساء إطار قانوني للاستيراد المصغر. هذا النشاط الذي طالما مورس بشكل غير رسمي وعُرف بـ"تجارة الكابة"، أصبح الآن معترفاً به ومنظماً رسمياً بموجب المرسوم التنفيذي رقم 25-170، الموقع في 28 يونيو 2025 والمنشور في الجريدة الرسمية رقم 40.

يمثل هذا التشريع الجديد تحولاً جذرياً يهدف إلى إدماج آلاف الشباب وصغار التجار في الدورة الاقتصادية الرسمية. فهو يوفر إطاراً آمناً ومزايا تفضيلية، مع وضع قواعد واضحة لحماية الاقتصاد الوطني والمستهلكين. يهدف هذا المقال إلى أن يكون دليلاً شاملاً ومرجعاً أساسياً لكل من يرغب في فهم هذا النظام الجديد أو الانخراط فيه أو ببساطة الاطلاع عليه.

ما هو الاستيراد المصغر؟ تعريف رسمي


قبل هذا القانون، كانت "تجارة الكابة" نشاطاً يفتقر إلى أي وضع قانوني واضح. يأتي المرسوم الجديد ليسد هذا الفراغ من خلال تقديم تعريف دقيق.

وفقاً للمادة 2 من المرسوم التنفيذي رقم 25-170، يُعرَّف الاستيراد المصغر بأنه "نشاط استيراد البضائع الذي يمارسه شخص طبيعي لحسابه الخاص أثناء تنقلاته إلى الخارج، بهدف إعادة بيعها على حالتها داخل التراب الوطني."

يؤسس هذا التعريف لعدة مبادئ أساسية:

  • نشاط فردي: يقتصر الاستيراد المصغر بشكل صارم على الأشخاص الطبيعيين. لا يمكن تفويضه أو ممارسته عبر هيكل تجاري (مثل شركة ذات مسؤولية محدودة أو مؤسسة ذات شخص وحيد).
  • البيع على الحالة: يجب بيع البضائع المستوردة دون إخضاعها لأي تحويل. وهذا يميز الاستيراد المصغر عن أنشطة الإنتاج أو التحويل الصناعي.
  • التنقلات الشخصية: يجب أن تتم عملية الاستيراد من قبل المقاول الذاتي نفسه خلال أسفاره.

الحدود القصوى والقيود: إطار خاضع للرقابة

لتجنب تحول الاستيراد المصغر إلى بديل عن التجارة الخارجية المنظمة، تم وضع حدود كمية ومالية:

  • الحد الأقصى لكل رحلة: يجب ألا تتجاوز قيمة البضائع المستوردة 1,800,000 دينار جزائري لكل رحلة.
  • عدد الرحلات المسموح بها: يُسمح لكل مقاول ذاتي بالقيام برحلتي (2) استيراد كحد أقصى في الشهر.

من المهم الإشارة إلى أن هذا السقف مستقل عن المنحة السياحية السنوية، التي تظل حقاً منفصلاً للمواطن.

من يمكنه أن يصبح مستورداً مصغراً؟ شروط الأهلية


إن صفة المستورد المصغر ليست متاحة للجميع. فقد حددت الحكومة شروطاً دقيقة لضمان أن النظام يستهدف الفئة المقصودة: الشباب والباحثون عن عمل الراغبون في إنشاء نشاطهم الخاص.

لكي يكون المترشح مؤهلاً، يجب أن يستوفي جميع الشروط التالية، كما هي مفصلة في المواد 3 و5 و6 من المرسوم:

  • الجنسية والإقامة: أن يكون جزائري الجنسية ومقيماً في الجزائر.
  • السن القانونية للعمل: أن يكون قد بلغ السن القانونية للعمل.
  • حصرية النشاط: ألا يمارس أي نشاط مهني آخر، سواء كان مأجوراً أم لا. يهدف هذا الشرط إلى جعل الاستيراد المصغر مصدر دخل حقيقي وليس مجرد نشاط تكميلي.
  • الانتساب إلى CASNOS: أن يكون منتسباً إلى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي لغير الأجراء. وهذه خطوة أساسية لضمان التغطية الاجتماعية للمقاول الذاتي.
  • حساب بنكي بالعملة الصعبة: أن يمتلك حساباً بنكياً بالعملة الصعبة لدى البنك الخارجي الجزائري (BEA). ويجب أن يتم تمويل عمليات الاستيراد حصراً من الأموال الخاصة للمقاول الذاتي المودعة في هذا الحساب.
  • الاستبعاد من منحة البطالة: الحصول على بطاقة المقاول الذاتي لممارسة الاستيراد المصغر يؤدي تلقائياً إلى إلغاء الاستفادة من منحة البطالة.

بطاقة المقاول الذاتي: مفتاح الدخول إلى النظام


حجر الزاوية في هذا النظام الجديد هو صفة المقاول الذاتي. لممارسة نشاط الاستيراد المصغر، من الضروري الحصول على هذه الصفة.

أ. بطاقة المقاول الذاتي

الخطوة الأولى هي الحصول على بطاقة المقاول الذاتي. تُصدر هذه البطاقة من قبل الوكالة الوطنية للمقاول الذاتي (ANAE). من الضروري أن تحمل هذه البطاقة الذكر الصريح للنشاط الممارس: "استيراد مصغر" (رمز النشاط: 080000).

ب. الرخصة العامة للممارسة

بعد الحصول على بطاقة المقاول الذاتي، تلزم رخصة ثانية: رخصة عامة للممارسة.

  • جهة الإصدار: تصدرها المصالح المختصة لـوزارة التجارة وترقية الصادرات.
  • أجل الإصدار: ينص المرسوم على أجل معالجة سريع، بحيث تصدر الرخصة في أجل أقصاه خمسة (5) أيام عمل.
  • مدة الصلاحية: الرخصة صالحة لمدة سنة واحدة وقابلة للتجديد.

مزايا النظام: تشجيع للانخراط في الإطار الرسمي


لتحفيز الفاعلين في القطاع غير الرسمي على الانضمام إلى الإطار القانوني، وضعت الحكومة مجموعة من التدابير التحفيزية الجذابة.

  • الإعفاء من السجل التجاري: هذه ميزة كبرى. يُعفى المستورد المصغر من إلزامية القيد في المركز الوطني للسجل التجاري (CNRC)، وهو إجراء غالباً ما يُعتبر معقداً ومكلفاً.
  • الإعفاء من رخص الاستيراد: على عكس المستوردين التقليديين، لا يحتاج المستورد المصغر إلى الحصول على رخص مسبقة لعملياته، مما يبسط الإجراءات بشكل كبير.
  • رسم جمركي مخفض: يُطبق رسم جمركي موحد ومخفض بشكل كبير، حُدد بنسبة 5% فقط من قيمة البضائع.
  • نظام ضريبي مبسط: يستفيد المستورد المصغر من نظام ضريبي مكيف ومخفف، مما يسهل إدارة التزاماته الضريبية.
  • محاسبة مبسطة للغاية: يقتصر الالتزام المحاسبي على أبسط أشكاله: مسك سجل مرقم ومؤشر عليه من قبل مصالح الضرائب المحلية. لا حاجة بعد الآن للموازنات المعقدة وحسابات النتائج.

الالتزامات والإجراءات: إطار من المسؤولية


في مقابل هذه المزايا، يجب على المستورد المصغر الامتثال لمجموعة من الالتزامات التي تهدف إلى ضمان الشفافية والأمن وحماية المستهلك.

أ. المنصة الرقمية: أداة التصريح

يعد تحديث الإجراءات جوهر هذا النظام. فقد تم إنشاء منصة رقمية مخصصة، تسيرها الوزارة المنتدبة المكلفة باقتصاد المعرفة والمؤسسات الناشئة.

قبل كل رحلة استيراد، يلتزم المقاول الذاتي بالولوج إلى هذه المنصة للقيام بتصريح مسبق. يجب أن يتضمن هذا التصريح طبيعة ووصف البضائع التي يعتزم استيرادها. المنصة متصلة مباشرة بمصالح الجمارك والإدارات الأخرى المعنية، مما يضمن سلاسة وتتبع المعلومات في الوقت الحقيقي.

ب. الالتزامات المتعلقة بالمنتجات

تعد جودة وسلامة المنتجات المستوردة أولوية. يفرض المرسوم قواعد صارمة:

  • مدة الصلاحية: بالنسبة للمنتجات سريعة التلف، يجب أن تكون مدة صلاحيتها المتبقية تزيد عن نصف مدة صلاحيتها الإجمالية. على سبيل المثال، منتج مدة صلاحيته 12 شهراً يجب أن تكون له مدة صلاحية متبقية لا تقل عن 6 أشهر عند استيراده.
  • التعريف والوسم: يجب على المستورد المصغر ضمان تعريف واضح للبضائع. يتم ذلك من خلال وسم وسندات تسليم مبسطة تذكر إجبارياً:
    • اسم ولقب وعنوان المستورد.
    • التسمية الدقيقة للمنتج.
    • بلد المنشأ أو المصدر.

ج. السلع المستثناة

مجال الاستيراد المصغر ليس غير محدود. فقد استثنى المشرع بوضوح فئات معينة من المنتجات لأسباب تتعلق بالأمن والصحة العامة والنظام العام. يُمنع استيراد ما يلي في هذا الإطار:

  • البضائع المحظورة قانوناً.
  • التجهيزات والمعدات الحساسة التي تحكمها نصوص خاصة.
  • المنتجات الصيدلانية وشبه الصيدلانية.
  • البضائع التي يتطلب استيرادها رخصاً تقنية أو خاصة (مثل بعض معدات الاتصالات).
  • كل بضاعة يمكن أن تمس بالأمن الوطني أو النظام العام أو الآداب العامة.

العقوبات والرقابة: ضمان احترام القانون


إن عدم احترام القواعد المعمول بها يعرض المستورد المصغر لعقوبات صارمة قد تصل إلى فقدان صفته. الهدف هو منع التجاوزات وضمان بقاء النظام سليماً.

الشطب من السجل الوطني للمقاولين الذاتيين هو العقوبة الرئيسية ويمكن أن يصدر في الحالات التالية:

  • التصريحات الكاذبة: تقديم معلومات غير صحيحة على المنصة الرقمية أو لسلطات الرقابة.
  • الإخلال بواجب التصريح: عدم القيام بالتصريح المسبق قبل عملية الاستيراد.
  • عدم احترام قواعد حماية المستهلك: استيراد منتجات غير مطابقة أو منتهية الصلاحية أو خطيرة.
  • الاستعمال التعسفي للبطاقة: إعارة أو تأجير أو استعمال بطاقة المقاول الذاتي لأغراض غير تلك التي ينص عليها القانون.
  • المخالفة العامة لأحكام المرسوم.

تحليل وآفاق: ما بعد المرسوم


إن تقنين الاستيراد المصغر يوفر متنفساً للشباب الباحث عن الفرص ويمكّن الدولة من تحصيل إيرادات ضريبية جديدة وجلب العملة الصعبة.

ومع ذلك، يشير العديد من الخبراء إلى التحديات والمخاطر المحتملة. فالتقنين وحده لا يكفي؛ يجب الهيكلة. الخطر الرئيسي هو أن يتحول هذا النظام إلى "نظام التفافي مؤسساتي"، أي شكل من أشكال التوزيع الموازي الذي يضعف التجارة الخارجية المنظمة.

لكي يكون الاستيراد المصغر جسراً حقيقياً نحو اقتصاد منظم ومنتج، لا بد من خطوات إضافية:

  • تعزيز المنظومة الرقمية: يجب أن تكون المنصة الرقمية قوية وسهلة الاستخدام ومتاحة للجميع. يمكن أن تتطور لتصبح واجهة عامة حقيقية لأنشطة المستوردين المصغرين، مما يعزز الشفافية والثقة.
  • المرافقة والتكوين: يمكن للوكالة الوطنية للمقاول الذاتي وغرف التجارة أن تلعب دوراً حاسماً في مرافقة هؤلاء المقاولين الجدد، وتكوينهم في مجالات التسيير والتسويق الرقمي والخطوات المستقبلية لتطويرهم (نحو التجارة الإلكترونية، على سبيل المثال).
  • الإدماج في سلسلة القيمة: يتمثل التحدي على المدى الطويل في تشجيع هؤلاء المستوردين المصغرين على الارتقاء بأنشطتهم، أو التكتل، أو حتى الانتقال من إعادة البيع إلى الإنتاج المحلي الصغير، وبالتالي خلق قيمة مضافة وطنية.

في الختام، يعد مرسوم الاستيراد المصغر تقدماً كبيراً وفرصة يجب اغتنامها. إنه يوفر إطاراً قانونياً ومزايا ملموسة وطريقاً نحو الإدماج الاقتصادي. سيعتمد نجاح هذا الإصلاح ليس فقط على انخراط الشباب، ولكن أيضاً على قدرة السلطات العمومية على مرافقة وهيكلة وتطوير هذا النظام ليصبح محركاً حقيقياً لريادة الأعمال في الجزائر.


آخر تحديث:

تعامل مع الإجراءات الإدارية بكل أريحية وفعالية

استفد من تنظيم أفضل للإجراءات الإدارية عبر استخدام الاستمارات الرقمية، قوائم المهام والرزنامة والمزيد.

اكتشف

حلولنا تحظى بثقة وتستخدمها كل من:

Faras International
DP World Djazair
KPMG
ECCBC
Promedal
Froidis
El Wedjdene
Adara
ConformePro